حُسن الْخُلُق من الدعوة الصامتة










كيف يكون الاحتساب في الدعوة إلى الله ؟

ومِن الاحتساب في الدعوة إلى الله :
– الاحتساب في حُسن الْخُلُق ؛ فإنه دعوة صامتة ،

فقد دخل الإسلام في بعض دول آسيا وبعض دول أفريقيا بِحُسن الأخلاق وكريم التعامل .
فإن سُوء خُلُق الداعية يُنفِّر الناس عنه وعن دعوته ،

ولذا قال الله تبارك وتعالى لِنَبِيِّه صلى الله عليه وسلم :

(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ) .
ومما يُحبب الداعية إلى الناس : الإحسان إليهم ، والدعاء لهم ،

ففي الآية السابقة : (وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ) .

– الاحتساب في العفو عن الناس ، ففي الآية السابقة : (فَاعْفُ عَنْهُمْ) .
وينبغي أن يُفرَّق بين ما كان عن كريم خُلُق ، وبين ما كان ضَعفا .
قال الإمام البخاري : باب الانتصار من الظالِم ؛

لقوله جَلّ ذِكْره : (لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا) ،

(وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمْ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) .

قال إبراهيم : كانوا يَكرهون أن يُسْتَذَلّوا فإذا قَدَروا عَفوا .
وقال ابن رجب : وقال مجاهد : كانوا يَكرهون للمؤمن أن يُذلّ نفسه ، فيَجْتَرئ عليه الفُسّاق ، فالمؤمن إذا بُغِي عليه يُظهِر القدرة على الانتقام ، ثم يعفو بعد ذلك ، وقد جَرى مثل هذا لِكثير مِن السلف ، منهم قتادة وغيره . اهـ .

– الاحتساب في إعانة الناس ؛

فقد حثّ النبي صلى الله عليه وسلم على إعانة الناس ،

ولو بالشيء اليسير ؛ كِقَولِه صلى الله عليه وسلم :

وَإِرْشَادُكَ الرَّجُلَ فِي أَرْضِ الضَّلالِ لَكَ صَدَقَةٌ ، وَبَصَرُكَ لِلرَّجُلِ الرَّدِيءِ البَصَرِ لَكَ صَدَقَةٌ ، وَإِمَاطَتُكَ الحَجَرَ وَالشَّوْكَةَ وَالعَظْمَ عَنِ الطَّرِيقِ لَكَ صَدَقَةٌ ، وَإِفْرَاغُكَ مِنْ دَلْوِكَ فِي دَلْوِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ .

رواه الإمام أحمد والترمذي ، وصححه الألباني .

– الاحتساب في البِشْر وطلاقة الوجه .
قال عليه الصلاة والسلام : تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَة .

رواه الإمام أحمد والترمذي ، وصححه الألباني والأرنؤوط .

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبتسم لأصحابه ،

ابتسامة تأسِر القلوب ، وتأخذ بالألباب .
قال جرير بن عبد الله رضي الله عنه :

ما حَجَبني النبي صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ،

ولا رآني إلاَّ تبسَّم في وَجْهي .

رواه البخاري ومسلم .

وفي رواية لمسلم : ولا رآني إلاَّ ضَحِك .
في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال :

قالوا : يا رسول الله إنك تُدَاعِبنا . قال : إني لا أقول إلاَّ حَقّا .

رواه الإمام أحمد والترمذي ، وصححه الألباني .

وينبغي أن يُفرَّق بين المزاح الذي تذهب معه المروءة وتضعف معه الهيبة ،

وبين المزاح الذي يُدخِل السرور على القلوب ،

ويبدو منه البِشْر وتَظهر مِنه البساطة والقُرب مِن الناس .

– الاحتساب في الإصلاح بين الناس .
قال تعالى : (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) .

وكان نَبِيّنا صلى الله عليه وسلم حريصا على الإسلام بين الناس ،

بل تأخّر مرّة عن إمامة الناس لأجل الإصلاح بين الناس ، فَعَن سهل بن سعد رضي الله عنه أن أهل قباء اقتتلوا حتى تَراموا بالحجارة ،

فأُخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ، فقال : اذهبوا بنا نُصلِح بينهم .

رواه البخاري .

– الاحتساب في بذل المال : إصلاحا واستصلاحا للناس .
ومما ورد في كتب التاريخ والتراجم أن سعيد بن عثمان بن عفان لَمّا استعمله معاوية رضي الله عنه على خراسان ،

فمضى سعيد بجنده في طريق فارس فلقيه بها مالك بن الريب –

وكان شاعرا فاتكا لِصّا ، و هو من شعراء الإسلام في أول أيام بني أمية –

و كان مِن أجمل الناس وَجها وأحسنهم ثيابا ، فلما رآه سعيد أعجبه ،

وقال له : مالك ويحك ! تُفسد نفسك بِقطع الطريق ، وما يدعوك إلى ما يبلغني عنك مِن العبث و الفساد ، وفيك هذا الفضل ؟

قال : يدعوني إليه العجز عن المعالي ومساواة ذوي المروءات ، ومكافأة الإخوان .

قال سعيد :

فإن أنا أغنيتك واستصحبتك ، أتَكُفّ عما كنت تفعل ؟

قال : أي و الله أيها الأمير ، أكُفّ كفًّا لم يَكُفّ أحدٌ أحسن منه . قال : فاستصحبه وأجرى له خمسمائة درهم في كل شهر .

– الاحتساب في تَحمّل المشاقّ في سبيل إيصال الخير والحق إلى الناس .
فإن الصحابة ومَن بعدهم تفرّقوا في الآفاق ،

وأوصلوا دعوة الحقّ إلى الناس ، وتَحَمّلوا المشاقّ ،

وبُعد المسافات ، وقِلّة الزاد ، وغير ذلك .
وإن تعجب ؛ فاعجَب مِن ضَعف أهل الحقّ ،

وفتور عزائمهم ، وقِلّة بَذلِهم مِن أنفسهم ،

مع جَلَد وقوّة أهل الكفر والفجور ، وبَذلِهم مِن أنفسهم ،

وتحمّل المصاعب والمشاقّ .
فما تكاد تصِل إلى بلد إلاّ وَتَجِد دُعاة الكفر ودعاة الضلال قد سَبَقوك إلى ذلك البلد .
إلى غير ذلك مِن صُور الاحتساب المعروفة في مجال الدعوة إلى الله .

إرسال تعليق

0 تعليقات