تفسير سورة الفاتحة

تفسير سورة الفاتحة

﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ* الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ * غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 1 – 7].

نطقت الأحاديث الصحيحة بأن من أسماء سورة الفاتحة أنها أم القرآن وأنها أفضل سورة أنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم. وهي أول سورة نزلت كاملة.

ولما كانت الأغراض التي أنزل الله تعالى القرآن لأجلها ترجع إلى خمسة مقاصد هي:
(1) بيان الدين بعقائده وأحكامه وهو ما سماه النبي صلى الله عليه وسلم محكمًا وأمرنا بالعمل به.

(2) ومتشابه وهو ما كلفنا الله تعالى بالإيمان به دون بحث عنه.

(3) ووعد من الله وهو ما أرشدنا إلى الطمع فيه والعمل على تحصيله.

(4) ووعيد وهو ما خوف الله تعالى به عباده وأنذرهم به.

(5) وقصص وهو ما أنزل من الأخبار للعبرة والموعظة ولا يكاد القرآن العزيز يخرج عن الكلام في هذه الأمور الخمسة. والفاتحة على كونها سورة صغيرة لا تزيد على سبع آيات فقط، مشتملة على تلك المقاصد جميعاً ولذلك سميت بهذا الاسم وهو (أم القرآن).

أما بيان اشتمالها على تلك المقاصد ومكان كل مقصد منها في السورة فيبدو جلياً من تدبر آياتها وتفهمها فهمًا صحيحًا فتعريف الله سبحانه وتعالى إيانا بأنه رحمن رحيم مالك يوم الدين، راجع إلى المحكم لأنه بيان منه تعالى ببعض أسمائه وصفاته مع الإشارة بالرحمن الرحيم إلى الوعد الذي أرشدنا إلى الطمع فيه وبمالك يوم الدين إلى الوعيد الذي خوفنا به ومع الإشارة اللطيفة إلى المتشابه فإن الإيمان باليوم الآخر ملحق بالمتشابه لأنه لا زال أمراً غيبياً يقتصر في معرفته على ما بينه الكتاب والسنة مع التسليم به وإن كان غير معهود مثله في دار الدنيا ككون ثمار الجنة لا تنقطع على كثرة ما يؤخذ منها.

ويشير قوله تعالى ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ إلى أحكام الدين جملة فإنه لا يمكن تصحيح العبادة إلا بعد معرفة أحكامها معرفة صحيحة. والعبادة والدين شيء واحد في المعنى إذ لا تنحصر العبادة في الأمور الظاهرة بل تشملها والأمور القلبية كالعقائد الحقة والإيمان. والأحكام والعقائد هي مجموع الدين.

أما الإشارة إلى القصص وهو خامس المقاصد فبقوله تعالى ﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾ إلى آخر السورة لأنه يشير إلى أصناف الناس من جميع الأمم ويحصرهم في ثلاثة أصناف هم أهل وعده الذين أنعم عليهم، وأهل وعيده وهم المغضوب عليهم والضالون، ومعرفة هذه الأصناف الثلاثة تفصيلًا لا تكون إلى بمعرفة أخبارهم وقصصهم المفصلة في كثير من المواضع والسور المختلفة في القرآن الكريم.

وبهذا تكون فاتحة الكتاب قد اشتملت على أغراض إنزال القرآن الخمسة واستحقت التسمية بأم القرآن.

وأما شرح ألفاظها ومعانيها على وجه الإيجاز والاختصار فهو:
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ يخبرنا الله سبحانه وتعالى أنه مستحق للحمد والثناء من نفسه ومن جميع الكائنات إما بلسان المقال أو بلسان الحال، ولفظ الله اسم للحق تبارك وتعالى لا يشاركه فيه أحد وهو المعبود بحق الذي اتصف بجميع المحامد وتنزه عن جميع النقائص خلاف كلمة إله التي تدل معنى التعظيم والمعبودية؛ سواء كان بحق واستحقاق كما في جانب الله تبارك وتعالى أو بغير استحقاق كما في جانب كل من عبد من دونه. أما الرب فهو المالك المنعم والمدبر المربي. وهذه المعاني الأربعة موجودة منه تعالى للعالم إذ هو الذي يملكه ويدبره وينعم عليه ويربيه وهو المراد بالعالمين، فإن العالم بفتح اللام هو كل ما سوى الله تعالى من مخلوقاته. وكلمة الرحمن معناها صاحب الرحمة الواسعة التي وسعت كل شيء من العالم في دار الدنيا كما أن الرحيم معناها من خصت رحمته المؤمنين من عباده في الآخرة وبهذا البيان يعرف أن كلمة رحيم أوسع معنى من الرحمن كما يستفاد هذا من مواضع ورود الاسمين الكريمين في القرآن.

أما معنى ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ فيخبرنا الله تعالى أنه وحده مالك يوم الجزاء ملكًا حقيقيًا لزوال كل ملك صوري مما يقع في دار الدنيا عن أصحابه في ذلك اليوم ويدل على ذلك قوله تعالى ﴿ يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ﴾ وأما قوله ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ فمعناه أن العباد قد قطعوا على أنفسهم عهدًا وأتوا موثقًا لله أن لا يعبدوا غيره ولا يستعينوا بغيره، فمن وفى منهم بذلك العهد في الدنيا استحق من الله الجزاء الأوفى من الخير يوم القيامة كما يشير إليه الحديث الذي يذكر بتمامه في آخر هذا الكلام.

أما بقية الآيات من اهدنا إلى آخر السورة فمعناها الإجمالي هو أنه تعالى أمر عباده أن يسألوه الهداية والتوفيق للدين الحق علما وعملا ليصلوا بالسير في هذا الصراط الذي هو الطريق المستقيم (الدين الحق) في الدنيا إلى السعادة الدائمة في الآخرة وأن يكونوا من الذين أنعم الله تعالى عليهم وهم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون، دون من غضب الله عليهم وهم الذين عرفوا الحق ثم حادوا وانحرفوا عنه من جميع الأمم إلى يوم القيامة، ودون الضالين الذين لم يميزوا الحق من الباطل بل ظلوا في حيرة مدة الدنيا. نسأله السلامة.

وقد روى الإمام مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ قال الله تعالى حمدني عبدي وإذا قال ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ قال الله تعالى أثنى علي عبدي، وإذا قال ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ قال مجدني عبدي، وقال مرة فوض إلي عبدي، فإذا قال ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ قال هذا بيني وبين عبدي (أي هذا عهد بيني وبين عبدي فإذا وفى به وفيت له).

ولعبدي ما سأل، فإذا قال ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ * غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل”.

هذا ولتكرر أنواع الثناء على الله تبارك وتعالى في النصف الأول من السورة سميت بالسبع المثاني.

ولما كانت جملة اهدنا الصراط المستقيم إلى آخر السورة دعاء، طلب من العباد بعدها أن يسألوا الله تعالى الإجابة بكلمة آمين التي معناها استجب يا الله هذا الدعاء ممن دعاك به. والله أعلم.

أما ما يتعلق بفاتحة الكتاب من الأحكام كضرورة قراءتها في الصلاة أو غير ذلك فمرجعه كتب الحديث والتفسير والفقه، وربما أفردنا لذلك بحثًا مستقلًا في الأعداد القادمة من المجلة إن شاء الله تعالى.

إرسال تعليق

0 تعليقات